أطلّ وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل برسائل سياسية لافتة، مهّد فيها لمرحلة جديدة، من دون أن يتنازل عن ثوابته أو حلفائه. فهو بقي متمسّكاً بحقّه في الجولات التي يقوم بها على المناطق، وبخطابه الذي نزع عنه تهمة الإستفزاز والتصعيد.
وإذا كان باسيل جدّد التمسك بعلاقته الراسخة مع "حزب الله"، فهو مدّ اليد إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري بشكل لم يفعله من قبل، واصفاً علاقته مع حركة "أمل" بأنها تسير "من حسن إلى أحسن"، وغازل بري بشكل لافت جداً، إلى حدّ إعلانه الإستعداد الى تأسيس حلفٍ مشترك يجمعه وتيار "المستقبل" مع حركة "أمل" في السعي إلى تأسيس دولة مدنيّة والغاء الطائفيّة السياسية. وبهذا المعنى ذهب باسيل الى ما هو أبعد من تحالف تكتيكي بسيط، بل حلف إستراتيجي عميق "يؤسس لبناء دولة المواطنة، لا الدولة الطائفيّة". فهل يلاقي برّي رئيس التيار "الوطني الحر" في منتصف الطريق؟.
لا يقتصر غزل باسيل برئيس المجلس عند هذا الحد، بل هو مدح بري في مساعيه لجمع القوى المتخاصمة ودوره في حل الأزمات الداخليّة. وكأنّ باسيل يطوي الصفحة القاتمة مع حركة "أمل"، ويفتح صفحة بيضاء جديدة يريدها مستندة إلى ما أرساه الإمام السيد موسى الصدر في شأن الإنسان والتعايش الإسلامي-المسيحي. مما يعني ان وزير الخارجية الذي عبّر عن تأثّره بفكر الصدر، يريد علاقات متينة مع بري، متجاوزاً الحساسيّات التي كانت موجودة بين الفريقين خلال السنوات الماضية.
فهل يُترجم التيار البرتقالي والحركة مضمون كلام باسيل؟، خصوصا أنّ الحديث ادلى به وزير الخارجية على الشاشة التلفزيونية المحسوبة على رئيس المجلس، وفي ذات اليوم الذي زار فيه بري رئيس الجمهورية ميشال عون في بعبدا بحثاً عن حلول للازمة القائمة نتيجة تداعيات حادثة قبرشمون.
قد تكون المقابلة الإعلامية مجرد صدفة تزامن حصولها مع التنسيق القائم على خط بعبدا-عين التينة الذي يتجاوز "الصبحيّة"، وربما تكون أيضا اطلالة باسيل التلفزيونيّة على الشاشة الخضراء لا تحمل دلالات سياسية من جانب برّي، لكن مضمون كلام باسيل واضح بأنّه يفتح صفحة جديدة مع رئيس المجلس.
اللافت ان باسيل ايضاً ثبّت حلفه مع الحريري على عكس كل التوقّعات والتحليلات السياسية التي تحدثت عن جفاء بين الفريقين، بل رمى مسؤوليّة التوتّر الاعلامي الذي قام بينهما على مستشاري رئيس الحكومة، وبهذا الكلام أوحى وزير الخارجية أنه يحنّ إلى زمن نادر الحريري الذي بات خارج الدائرة الضيّقة لرئيس تيار "المستقبل".
على المقلب الآخر، حيّد باسيل رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، وشنّ هجوماً على رئيس حزب "القوات" سمير جعجع و رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط. بدا الإثنان خصمين دائمين لوزير الخارجية، فلم يهادن تجاه المختارة ولا معراب، مما يؤكد أن الإشتباك السياسي عنده سيبقى قائماً بهذين الإتجاهين. وهو ما عزّزه اساساً الهجوم القواتي العنيف على باسيل بعد كلامه في طرابلس، والسخونة القائمة بين الإشتراكيين والبرتقاليين، التي تنحصر الآن على وسائل التواصل الإجتماعي. وهنا سيكون بري مُحرَجاً أمام حليفه جنبلاط في حال أقدم رئيس المجلس على التعاطي بإيجابيّة مع مبادرة باسيل بالإنفتاح، رغم ان جنبلاط كان تخلّى عن برّي سابقاً يوم إنفتح على بعبدا، وساهم يومها رئيس "التقدّمي" في تسهيل مهمّة تشكيل الحكومة من دون علم رئيس حركة "امل"، بينما لا يُعرف مدى الحرج الذي سيكون فيه الحريري تجاه حليفيه التقليديين في معراب والمختارة.